متقدم

فهرس الكتاب

 

هل المنافقون داخلون في مسمى المؤمنين كدخولهم في مسمى المسلمين؟

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في كتاب الإيمان، ص 125: إن الخطاب بـ ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يدخل فيه كل من أظهر الإيمان من مؤمن، ومنافق في الباطن. قال: وحقيقة الأمر؛ أن من لم يكن من المؤمنين حقًّا، يقال إنه مسلم، ومعه إيمان يمنعه من الخلود في النار، وهذا أمر متفق عليه بين أهل السنة.

لكن هل يطلق عليه اسم الإيمان؟. هذا هو الذي تنازعوا فيه، فقيل: يقال مسلم ولا يقال مؤمن، وقيل بل يقال مؤمن.

والتحقيق أن يقال: إنه مؤمن ناقص الإيمان، فاسق بكبيرته، فلا يعطى اسم الإيمان المطلق كله، ولا يسلب عنه كله... انتهى. وقد قال السفاريني في عقيدته:
لا يخرج المرء من الإيمان
بموبقات الذنب والعصيان
وواجب عليه أن يتوبا
من كل ما جرّ عليه حوبا
ومن يمتْ ولم يتبْ من الخطا
فأمره مفوضٌ لذي العطا
فإن يشأْ يعفو وإن شاء انتقم
وإن يشأ أعطى وأجزل النعم
﴿فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهۡدِيَهُۥ يَشۡرَحۡ صَدۡرَهُۥ لِلۡإِسۡلَٰمِۖ - أي للإيمان، فيفرح به ويندفع إلى القيام بفرضه ونفله، وصلاته وزكاته وصيامه - ﴿وَمَن يُرِدۡ أَن يُضِلَّهُۥ يَجۡعَلۡ صَدۡرَهُۥ ضَيِّقًا حَرَجٗا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي ٱلسَّمَآءِۚ [الأنعام: 125] أي ضيقًا بذكر الإسلام، حَرجًا من أمره ونهيه، وصلاته وزكاته، وصيامه ﴿أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدۡرَهُۥ لِلۡإِسۡلَٰمِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٖ مِّن رَّبِّهِۦۚ [الزمر: 22].
وإذا حلت الهداية قلبًا
نشطت في العبادة الأعضاءُ
وكان من دعاء النبي ﷺ على الجنازة أنه يقول: «اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ والسنة، - أي على العمل بشرائع الإسلام والسنّة - وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِيمَانِ»[72]. لكونه إذا مات انقطع عنه العمل، وبقي معه الإيمان.

يبقى معنا آية هي موضع إشكال عند بعض العلماء الذين يقولون بأن المسلمين غير المؤمنين، وهي قوله تعالى: ﴿فَأَخۡرَجۡنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٣٥ فَمَا وَجَدۡنَا فِيهَا غَيۡرَ بَيۡتٖ مِّنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ ٣٦ [الذاريات: 35-36].

فظنوا أن المسلمين غير المؤمنين، وأن المؤمنين غير المسلمين، والقرآن ينوّع التعبير عن المسلمين والمؤمنين، فأحيانًا يسميهم بالمسلمين في كثير من آيات القرآن المبين، كقوله: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ ١٠٢ [آل عمران: 102].

وقوله: ﴿قُلۡ يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ تَعَالَوۡاْ إِلَىٰ كَلِمَةٖ سَوَآءِۢ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمۡ أَلَّا نَعۡبُدَ إِلَّا ٱللَّهَ وَلَا نُشۡرِكَ بِهِۦ شَيۡ‍ٔٗا وَلَا يَتَّخِذَ بَعۡضُنَا بَعۡضًا أَرۡبَابٗا مِّن دُونِ ٱللَّهِۚ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَقُولُواْ ٱشۡهَدُواْ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ ٦٤ [آل عمران: 64].

وقوله: ﴿وَوَصَّىٰ بِهَآ إِبۡرَٰهِ‍ۧمُ بَنِيهِ وَيَعۡقُوبُ يَٰبَنِيَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ ١٣٢ [البقرة: 132]. وفي كثير من الآيات يشق إحصاؤها، وقالوا: الإسلام هو استسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك، ومثله التعبير بالإسلام والإيمان، كقوله: ﴿إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَٰمُ [آل عمران: 19] - أي الإيمان - وقوله: ﴿وَمَن يَبۡتَغِ غَيۡرَ ٱلۡإِسۡلَٰمِ دِينٗا فَلَن يُقۡبَلَ مِنۡهُ وَهُوَ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ ٨٥ [آل عمران: 85].

فالمسلمون هم المؤمنون، والمؤمنون هم المسلمون، لأن الاسمين صفة لأمة محمدﷺ التابعين لدينه، كما في الحديث في قصة وقوع التزاحم على الماء بين المهاجرين والأنصار، فقال المهاجري: يا للمهاجرين، وقال الأنصاري: يا للأنصار، فغضب رسول الله ﷺ وقال: «أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟ اتركوها ذميمة، وادعوا بدعوى الله الذي سماكم المسلمين المؤمنين عباد الله»[73].

فهذه الكلمات هي التي تجمع شمل المسلمين، ويكونون بها عباد الله إخوانًا، المسلم أخو المسلم، فقوله تعالى: ﴿فَأَخۡرَجۡنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٣٥ فَمَا وَجَدۡنَا فِيهَا غَيۡرَ بَيۡتٖ مِّنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ ٣٦ [الذاريات: 35-36]، فيحتمل أنه أراد بالمسلمين: المستسلمين بالخضوع، والطاعة للدعوة، وهو معنى ما فسره البخاري من قوله تعالى: ﴿۞قَالَتِ ٱلۡأَعۡرَابُ ءَامَنَّاۖ قُل لَّمۡ تُؤۡمِنُواْ وَلَٰكِن قُولُوٓاْ أَسۡلَمۡنَا وَلَمَّا يَدۡخُلِ ٱلۡإِيمَٰنُ فِي قُلُوبِكُمۡۖ [الحجرات: 14] -أي استسلمنا- وقد سمى الله الإسلام سلمًا.

ويحتمل أنه من تنويع الاسم الذي كثر وروده في القرآن، كقوله: ﴿يَمُنُّونَ عَلَيۡكَ أَنۡ أَسۡلَمُواْۖ قُل لَّا تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسۡلَٰمَكُمۖ بَلِ ٱللَّهُ يَمُنُّ عَلَيۡكُمۡ أَنۡ هَدَىٰكُمۡ لِلۡإِيمَٰنِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ ١٧ [الحجرات: 17] فعبر عن الإسلام بالإيمان.

[72] أخرجه ابن ماجه وأبو داود وأحمد من حديث أبي هريرة. [73] أخرجه الترمذي من حديث جابر.