حقيقة النفاق وتفاصيله
النفاق في اللغة العربية: هو من جنس الخداع، والمكر، وإظهار الخير، وإبطان خلافه. وهو في الشرع ينقسم إلى قسمين:
أحدهما: النفاق الأكبر، وهو أن يظهر الإنسان الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ويبطن ما يناقض ذلك أو بعضه. وهذا هو النفاق الذي كان على عهد رسول الله ﷺ ونزل القرآن بذم أهله وتكفيرهم. وأخبر أن أهله في الدرك الأسفل من النار.
الثاني: النفاق الأصغر، وهو نفاق العمل: وهو أن يظهر الإنسان علانية صالحة، ويبطن ما يخالف ذلك.
وأصول هذا النفاق يرجع إلى هذه الخصال المذكورة في حديث عبد الله بن عمرو، عن النبيﷺ قال: «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ» رواه البخاري ومسلم.
وكذا حديث أبي هريرة، عن النبي ﷺ قال: «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ، إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا ائْتُمِنَ خَانَ» رواه في الصحيحين.
فهذه هي من جملة كبائر الذنوب التي صاحبها تحت مشيئة الله عز وجل إن شاء عذّبه، وإن شاء عفا عنه.
وكما أن الكفر نوعان: كفر أصغر لا يخرج عن الملة، كقوله ﷺ: «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ»[69]، وقوله: «اثْنَتَانِ فِي النَّاسِ هُمَا بِهِمْ كُفْرٌ: الطَّعْنُ فِي الأَنْسَابِ وَالنِّيَاحَةُ عَلَى الْمَيِّتِ»[70]. أما الكفر المخرج عن الملة، فهو كفر الجحود، وكفر العناد، وكفر الإباء والاستكبار مثل كفر أبي طالب ونحوه فقد اعترف بصدق نبوة محمد ﷺ وصدق القرآن النازل عليه، ولكنه آثر عليه ملة أبيه عبد المطلب، فقال عند موته: أنا أموت على ملة عبد المطلب. وأبى أن يقول: لا إله إلا الله. فقال رسول الله ﷺ: «لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ»[71]، فأنزل الله: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن يَسۡتَغۡفِرُواْ لِلۡمُشۡرِكِينَ وَلَوۡ كَانُوٓاْ أُوْلِي قُرۡبَىٰ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُمۡ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَحِيمِ ١١٣﴾ [التوبة: 113]. وأنزل الله في أبي طالب: ﴿إِنَّكَ لَا تَهۡدِي مَنۡ أَحۡبَبۡتَ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهۡدِي مَن يَشَآءُۚ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِينَ ٥٦﴾ [القصص: 56].
[69] رواه البخاري ومسلم عن ابن مسعود. [70] رواه الإمام أحمد ومسلم عن أبي هريرة الدوسي وغيره. [71] متفق عليه من حديث المسيب بن حزن.