الإيمان بالملائكة الكرام
إن من أصول الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته. يقول الله تعالى: ﴿۞لَّيۡسَ ٱلۡبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ قِبَلَ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ وَلَٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ وَٱلۡكِتَٰبِ وَٱلنَّبِيِّۧنَ﴾ [البقرة: 177] وقال: ﴿ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِ مِن رَّبِّهِۦ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۚ كُلٌّ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَمَلَٰٓئِكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ﴾ [البقرة: 285]. فالإيمان بالملائكة يتفرع عن الإيمان بالله عز وجل وعن الإيمان بالكتب المقدسة النازلة من الله على أنبيائه ورسله.
والملائكة هم عالم غيبي، عاقلون خلقهم الله لخدمته وعبادته، كما خلق الجن والإنس. ومن صفتهم أنهم عقول بلا شهوات، فهم عباد مكرمون ﴿لَّا يَعۡصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ ٦﴾ [التحريم: 6].
وقد يتشكلون بأمر الله وإرادته كما نزل جبريل على النبي ﷺ في صورة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، فسأل النبي ﷺ عن أصول الدين والصحابة يستمعون، فلما انصرف قال النبي عليه الصلاة والسلام: «هَذَا جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ أَمْرَ دِينِكُمْ»[56]. ورئي مرة في صورة دحية بن خليفة الكلبي، ورآه مرة في صورته التي خلقه الله عليها بمنظر هائل.
قال تعالى: ﴿وَلَقَدۡ رَءَاهُ نَزۡلَةً أُخۡرَىٰ ١٣ عِندَ سِدۡرَةِ ٱلۡمُنتَهَىٰ ١٤﴾ [النجم: 13-14].
ولا يتوقف الإيمان بالملائكة على رؤيتهم، فإنهم من عالم الغيب، وقد أثنى الله على المتقين الذين يؤمنون بالغيب، فالإيمان بوجود الرب إيمان بالغيب والإيمان بالملائكة إيمان بالغيب والإيمان بالبعث بعد الموت للحساب وبالجنة والنار إيمان بالغيب.
والناس بين مؤمن موحد يصدق بكل ما أخبر الله به تصديقًا جازما وإن لم يدركه بحواسه، إيمانًا ليس مشوبًا بشك ولا ريب ولا مشروطًا بعدم معارض. وبين مادي ملحد لا يؤمن إلا بما يدركه بحواسه، فهو ينكر كل ما لا يدرك رؤيته فيكذب بوجود الرب ويكذب بالملائكة ويكذب بالجنة والنار وفيهم أنزل الله تعالى: ﴿هَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّآ أَن تَأۡتِيَهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ أَوۡ يَأۡتِيَ رَبُّكَ أَوۡ يَأۡتِيَ بَعۡضُ ءَايَٰتِ رَبِّكَۗ يَوۡمَ يَأۡتِي بَعۡضُ ءَايَٰتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفۡسًا إِيمَٰنُهَا لَمۡ تَكُنۡ ءَامَنَتۡ مِن قَبۡلُ أَوۡ كَسَبَتۡ فِيٓ إِيمَٰنِهَا خَيۡرٗاۗ قُلِ ٱنتَظِرُوٓاْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ ١٥٨﴾ [الأنعام: 158].
إن عدم علم الشخص للشيء وعدم مشاهدته له لا ينفي وجوده ولا وقوعه، وقد أنزل الله في المكذبين به قوله تعالى: ﴿بَلۡ كَذَّبُواْ بِمَا لَمۡ يُحِيطُواْ بِعِلۡمِهِۦ وَلَمَّا يَأۡتِهِمۡ تَأۡوِيلُهُۥۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۖ فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلظَّٰلِمِينَ ٣٩ وَمِنۡهُم مَّن يُؤۡمِنُ بِهِۦ وَمِنۡهُم مَّن لَّا يُؤۡمِنُ بِهِۦۚ وَرَبُّكَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُفۡسِدِينَ ٤٠ وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمۡ عَمَلُكُمۡۖ أَنتُم بَرِيُٓٔونَ مِمَّآ أَعۡمَلُ وَأَنَا۠ بَرِيٓءٞ مِّمَّا تَعۡمَلُونَ ٤١﴾ [يونس: 39-41].
وهذا التأويل الذي عناه القرآن هو يوم القيامة حين تبدو المغيبات للعيان، فيتجلى الرب لفصل القضاء بين عباده، وتبرز الملائكة، وحين يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار. وهذا هو معنى التأويل في هذه الآية ﴿هَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأۡوِيلَهُۥۚ يَوۡمَ يَأۡتِي تَأۡوِيلُهُۥ يَقُولُ ٱلَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبۡلُ قَدۡ جَآءَتۡ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلۡحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَآءَ فَيَشۡفَعُواْ لَنَآ أَوۡ نُرَدُّ فَنَعۡمَلَ غَيۡرَ ٱلَّذِي كُنَّا نَعۡمَلُۚ قَدۡ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ وَضَلَّ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ ٥٣﴾ [الأعراف: 53].
فإنكار الملائكة أو نسبتهم إلى الأفعال الخيرية في الشخص كما تقوله الفلاسفة هو كفر بهم، يستلزم التكذيب بالكتاب وبما أرسل الله به رسله، ﴿وَمَن يَكۡفُرۡ بِهِۦ مِنَ ٱلۡأَحۡزَابِ فَٱلنَّارُ مَوۡعِدُهُۥۚ﴾ [هود:17].
والمؤمن حقًّا هو من يؤمن بكل ما جاء عن الله ورسوله إيمانًا جازمًا بدون تردد سواء أدرك ذلك بمشاهده ومشاعره أو لم يدركه؛ لأن الرسل أتت بمحارات العقول من الأخبار بالمغيبات والمعجزات.
* * *
[56] متفق عليه من حديث أبي هريرة.