متقدم

فهرس الكتاب

 

الإيمان باللّه ربًّا

«ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا رَسُولًا» رواه مسلم من حديث العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه.

إن معنى الرضى بالله ربًّا هو أن يؤمن ويصدق بوجود الرب الواحد الفرد الصمد، رب العالمين وخالق السموات والأرض، خلق الخلق من العدم بقدرته وربّاهم بنعمته وأوجد لهم جميع ما يحتاجون إليه من المطاعم والمشارب والحيوانات والفواكه والثمرات والخيرات، ليتنعموا بذلك في حياتهم، ويستعينوا بها على عبادة ربهم، ويتمتعوا بها إلى آخرتهم ﴿كُلُواْ مِن رِّزۡقِ رَبِّكُمۡ وَٱشۡكُرُواْ لَهُۥۚ بَلۡدَةٞ طَيِّبَةٞ وَرَبٌّ غَفُورٞ ١٥ [سبأ: 15] فمن قال: إن السموات والأرض ومن فيهن خلقت بالصدفة أو خلقت بالطبيعة فقد كفر بالله، ويسمون هؤلاء بالدهريين وبالطبيعيين ؛ لأنهم ينسبون كل شيء إلى الطبيعة؛ بدعوى أنها الموجدة لها دون الله عز وجل، وإذا سألتهم عن الطبيعة وما هي لم يجدوا جوابًا إلا أنها محض العدم، ومن المعلوم بالبديهة أن العدم لا يخلق الوجود، يقول الله تعالى: ﴿أَمۡ خَلَقُواْ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَۚ بَل لَّا يُوقِنُونَ ٣٦ [الطور: 36].
فوا عجبًا كيف يعـصى الإلـ
ـه أم كيف يجحده الجاحد
وفي كل شيء له آية
تدل على أنه الواحد
إن الإيمان بالله ربًّا يستلزم التصديق والتسليم بكل ما وصف الله به نفسه في كتابه، ووصفه به رسوله ﷺ من إثبات الكلام والاستواء والنزول والوجه والسمع والبصر.

فأهل السنة من هذه الأمة يؤمنون بكل ما جاء في القرآن والسنة من آيات الصفات، ويقولون: إن الحق هو الإيمان بها والتسليم لما جاء عن الله ورسوله فيها، قائلين: آمنا بالله وما جاء عن الله على مراد الله، وآمنا برسول الله وما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله.

فكل ما وصف الله به نفسه في كتابه فتفسيره قراءته والسكوت عنه، ليس لأحد أن يفسره، ويقولون: أمرّوا آيات الصفات كما جاءت بلا تكييف ولا تشبيه ولا تأويل، ﴿لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَيۡءٞۖ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ ١١ [الشورى: 11].

لأن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، فكما أن لله سبحانه ذاتًا لا تشبه ذات المخلوقين، فكذلك صفاته لا تشبه صفات المخلوقين، ﴿لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَيۡءٞۖ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ ١١ [الشورى: 11] ويقولون كما قال الإمام مالك لما سُئل عن الاستواء. فقال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. وكذا يقال في جواب السؤال عن النزول وعن الوجه والسمع والبصر، فيقولون: الوجه معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب. وكذا سائر الصفات، فالذين أنكروا وكذبوا بكلام الله اضطروا إلى القول بخلق القرآن ففروا من التشبيه ووقعوا في التعطيل، والكلام صفة كمال، والله سبحانه موصوف بكل كمال.

والكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، فكما أن لله ذاتًا لا تشبه ذات المخلوقين فكذلك له صفات لا تشبه ذات المخلوقين، ﴿لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَيۡءٞۖ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ ١١ [الشورى: 11]. وكان الإمام أحمد يقول: ناظروهم بالعلم، فإن أقروا به خصموا وإن أنكروه كفروا. يريد بهذا أن المنكرين للصفات يقال لهم: هل تؤمنون أن لله علمًا يعلم به خائنة الأعين وما تخفي الصدور؟ فكذلك المخلوق فإن له علمًا يعلم به ما يمكنه إدراكه وإحاطة العلم به، وعلم المخلوق ليس كعلم الله وكذالك سائر صفات الله لا يشبهها ﴿لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَيۡءٞۖ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ ١١.

فمن آمن بظاهر هذه الصفات ووكل علمها وتفسيرها إلى الله تعالى وإلى رسوله ﷺ فقد أحسن حيث انتهى إلى ما سمع وسلم من عناء التعطيل والتحريف والانحراف ومن تكلف الكلام فيما لا علم له به، والذي يشبّه يئول به إلى تعطيل الرب عن صفاته وإلى التكذيب بكلامه ﴿بَلۡ كَذَّبُواْ بِمَا لَمۡ يُحِيطُواْ بِعِلۡمِهِۦ وَلَمَّا يَأۡتِهِمۡ تَأۡوِيلُهُۥۚ [يونس: 39] وقد قيل:
عقيدتنا أن ليس مثل صفاته
ولا ذاته شيء عقيدة صائب
نسلم آيات الصفات بأسرها
وأخبارها للظاهر المتقارب
ونركب للتسليم سفنًا فإنها
لتسليم دين المرء خير المراكب

* * *