تعْليق الحجُب والجامعَات والحُروز
وما يسمّونه العزيمَة والتعويذة والتميمَة كلّه شرك
إن هذه الأسماء عبارة عما يعلق على الأولاد والأجساد والدواب لدفع الجان وعين الإنسان، وهي من بقايا عمل الجاهلية الأولى، إذا ولد لهم مولود علقوا عليه التميمة -أي الجامعة- لتقيه بزعمهم من الجان ومن عين الإنسان كما قال الشاعر:
بلاد بها نيطت علي تمائمي
وأول أرض مس جلدي ترابها
ومعنى نيطت: أي علقت.
وقد تسربت هذه الفكرة الشركية إلى السذج من العوام وضعفة العقول والأفهام، وقد أبطلها الإسلام وعدها من الشرك.
لأن هذا التعليق على اختلاف أنواعه هو مما يقتضي صرف القلب عن الله تعالى، ويجعله متكلاً ومتعلقًا قلبه بهذا التعليق، بحيث يشب عليه صغيرًا ويهرم عليه كبيرًا، وقد يموت وهي معلقة على جسده فيعظم ضرره ويشتد خطره.
روى الإمام أحمد بسند لا بأس به عن عمران بن حصين أن النبي ﷺ رأى رجلا في يده حلقة من صفر قال: «مَا هَذِهِ؟» قال: من الواهنة. فقال: «انْزِعْهَا فَإِنَّهَا لَا تَزِيدُكَ إِلَّا وَهْنًا، وَإِنَّكَ لَوْ مِتَّ وَهِيَ عَلَيْكَ مَا أَفْلَحْتَ أَبَدًا».
فنهاه النبي ﷺ عنها لأنه اتخذها معتقدًا بأنها تعصمه من الألم وهي ليست بدواء ولكنها داء.
وروى الإمام أحمد عن عقبة بن عامر أن النبي قال: «مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً، فَلَا أَتَمَّ اللهُ لَهُ» وفي رواية «من تعلق تميمة فقد أشرك».
وهذا دعاء من النبي ﷺ على من تعلق تميمة -أي جامعة- أو حرزًا أو تعويذة يريد منها أن تقيه عن الآلام وعن الجان وعين الإنسان، قال: فلا أتم الله له أمره مما يرجوه ويؤمله من العافية والصحة. وأكبر منه قوله: «من تعلق تميمة فقد أشرك»[44] كما قال: «وَمَنْ عَلَّقَ وَدَعَةً فَلَا وَدَعَ اللَّهُ لَهُ»[45] أي لا جعله في دعة وسكون بل جعله في قلق واضطراب. وعن عبد الله بن عكيم أن النبيﷺ قال: «مَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ»[46] وهذه الأحاديث تقتضي النهي عن كل معلق سواء كان من القرآن أو من غير القرآن، فلا وجه لتخصيصه بغير تمائم القرآن، إذ لو كان فيها نوع مباح لورد الدليل بإباحته، كما ورد الدليل بإباحة الرقى ما لم تكن شركًا. ولهذا قال إبراهيم النخعي: كانوا يكرهون التمائم كلها من القرآن وغير القرآن. وعبر بالكراهة عن التحريم كما هي طريقة السلف السابقين، وقد أمر النبي ﷺ بقطعها عن الدواب والأولاد لكونها تضر ولا تنفع وتضعف الإيمان في القلب.
وعن سعيد بن جبير قال: من قطع تميمة من إنسان كان كعدل رقبة لكونه أنقذه من عبودية الشيطان[47].
والحاصل أن من تعلق شيئًا وكله الله تعالى إلى ذلك، فيقع في قلق واضطراب وفنون من الأضرار والأمراض وداء الصرع وغيره. ومن توكل على ربه، والتجأ إليه وفوض أمره لله كفاه الله كل شر، ﴿وَمَن يَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسۡبُهُۥٓۚ﴾ [الطلاق: 3].
إن أكثر من يحسّن للناس هذا التعليق ويعمل عمله في تنظيمه هم القوم الذين يتكسبون به على سبيل التغرير والخداع لضعفة العقول من العوام والنساء كما قيل:
أراد إحراز مال كيف أمكنه
فظل يكتب للنسوان أحرازا
أما الرقية بالآيات القرآنية والأدعية النبوية فإنها مشروعة، فقد رقى النبي ﷺ ورُقي وقال: «لَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ تَكُنْ شِرْكًا»[48]، وقد نزلت المعوذتان أي: قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس للرقية بهما. وكان النبي ينفث بهما في كفيه ويمسح بهما ما استطاع من جسده، ولما مرض كانت عائشة تفعل ذلك به، ولما اشتكى رسول الله رقاه جبريل فقال: «بِسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ، مِنْ كُلِّ شَرٍّ يُؤْذِيكَ، مِنْ كُلِّ عَيْنٍ وَحَاسِدٍ، وَمِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ»[49].
ولما رقى الصحابي اللديغ بفاتحة الكتاب قال رسول الله: «إنها رقية حق»[50].
واشترطوا لصحة الرقية بأن تكون بالآيات القرآنية أو الأدعية النبوية، وأن تكون باللسان العربي مع اعتقاد أن الله هو النافع الضار.
إذ الرقية محض أدعية، والدعاء يدفع شر البلاء ويرفعه، وتأثيرها تعود إلى قوة إيمان فاعلها، والله أعلم.
* * *
[44] أخرجه أحمد من حديث عقبة بن عامر. [45] أخرجه أحمد من حديث عقبة بن عامر. [46] أخرجه الترمذي وأحمد. [47] أخرجه ابن أبي شيبة في المصنّف. [48] أخرجه أبو داود من حديث عوف بن مالك. [49] أخرجه أحمد وعبد بن حميد من حديث أبي سعيد الخدري. [50] أخرجه أبو داود من حديث علاقة بن صحار.