متقدم

فهرس الكتاب

 

حكمَة بعثة الرسُل (إفراد الله بالدعاء فلا يُدعى مع الله أحد)

إن الله سبحانه لم يبعث رسولاً إلا ويأمر قومه بأن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئًا. والعبادة أنواع منها: الصلاة والزكاة والصيام وسائر الأوامر الدينية، ومنها الدعاء فإن الدعاء عبادة.

وروى مسلم عن جابر أن النبي ﷺ قال: «الدُّعَاءُ عِبَادَةٌ» وقرأ ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدۡعُونِيٓ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِي سَيَدۡخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ٦٠ [المؤمن: 60] - أي صاغرين حقيرين ذليلين - ورواه الترمذي بلفظ «الدُّعَاءُ هُوَ مُخُّ العِبَادَةِ» ومخ الشيء خالصه، فمتى كان الدعاء عبادة فإن صرف الدعاء لغير الله شرك.

فالذين يدعون عليًّا أو يدعون وليًّا أو عبد القادر أو يدعون الرسول حين يقفون عند قبره ويقولون: يا محمد اشفع لي عند ربك وأغثني، كل هذا من الشرك الأكبر الذي لا يُغفر إلا بالتوبة منه، فإن الله لا يرضى أن يشرك معه في عبادته لا ملك مقرب ولا نبي مرسل. يقول الله: ﴿وَلَا تَدۡعُ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَۖ فَإِن فَعَلۡتَ فَإِنَّكَ إِذٗا مِّنَ ٱلظَّٰلِمِينَ ١٠٦ [يونس: 106].

فسماه الله ظالمًا لكونه صرف هذه العبادة التي هي من خالص حق الله لغير الله، وقال: ﴿وَأَنَّ ٱلۡمَسَٰجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدۡعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَدٗا ١٨ [الجن: 18]. وأخبر الله بأنه لا أضل -أي: لا أظلم ولا أجهل- ممن يدعو ميتًا ويسأله قضاء حاجاته وتفريج كرباته، وهو مرهون في قبره بعمله لا يستطيع زيادة في حسنات نفسه ولا نقصانًا من سيئاته، فقال: ﴿وَمَنۡ أَضَلُّ مِمَّن يَدۡعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَن لَّا يَسۡتَجِيبُ لَهُۥٓ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَهُمۡ عَن دُعَآئِهِمۡ غَٰفِلُونَ ٥ وَإِذَا حُشِرَ ٱلنَّاسُ كَانُواْ لَهُمۡ أَعۡدَآءٗ وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمۡ كَٰفِرِينَ ٦ [الأحقاف: 5-6] وهذا معنى شهادة أن لا إله إلا الله.