متقدم

فهرس الكتاب

 

[الأدوية التي يستدفع بها البلاء والوباء هي من قدر الله]

والله سبحانه خلق الناس وخلق لهم جميع ما يحتاجون إليه من المطاعم والمشارب واللباس والأدوية وغير ذلك.

فكل العقاقير والأدوية التي يستعملها الأطباء لعلاج المرضى وللوقاية من البلاء والوباء هي بالحقيقة من مخلوقات الله تعالى التي أنبتها في أرضه رحمة منه لعباده بإيصال نفعها إليهم، وخص كل نوع بمرض يزيله ويشفيه.

فالمرض هو من قدر الله، والدواء الذي يعالج به ليشفيه هو من قدر الله أيضًا، فهم يسلطون القدر على القدر ويتقون القدر بالقدر، فيشربون الدواء الكريه المر خوفًا من الوقوع في النار، ويرتجزون يقولون:
نحن في دار بليات
نعالج آفاتٍ بآفات
وقد ركَّب الله في الإنسان السمع والبصر والعقل ليتم بذلك استعداده لتناول منافعه واستعمالها في سبيل وقاية صحته وحفظ بنيته، وكان من هدي النبي ﷺ فعل التداوي في نفسه، والأمر به لمن أصابه مرض من أهله وأصحابه، ويقول: «عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً، إِلَّا وَأَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً» [22] فاستعمال الأدوية المباحة والوقاية النافعة هي من تحقيق التوحيد، كما حقق ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وقال: إن الطعن في الأسباب قدح في الشرع، والإعراض عن الأسباب نقص في العقل؛ لأن كل ما شرعه رسول الله لأمته وأمر به فإنه من الدين الذي يجب اتباعه.
وعاجز الرأي مضياع لفرصته
حتى إذا فات أمر عاتب القدرا
﴿وَقُلِ ٱعۡمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمۡ وَرَسُولُهُۥ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ ١٠٥ [التوبة: 105]. فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّٰمٖ لِّلۡعَبِيدِ ٤٦ [فصلت: 46].

وقد أمر الله نبيه بأن يقول: ﴿وَأَنۡ أَتۡلُوَاْ ٱلۡقُرۡءَانَۖ فَمَنِ ٱهۡتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهۡتَدِي لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن ضَلَّ فَقُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُنذِرِينَ ٩٢ وَقُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ فَتَعۡرِفُونَهَاۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ ٩٣ [النمل: 92-93].

* * *

[22] رواه الترمذي عن أسامة بن شريك.