[قصة عمر بن الخطاب مع السارق المحتج بالقدر على سرقته وجواب عمر له]
فهذه سيرة الرسول وأصحابه وعلماء السنة والجماعة يعملون بالحزم وفعل أولي العزم فعل من يرى أنه لا ينجيه ويسعده سوى عمله ثم يتوكلون على ربهم.
ولما أتي إلى عمر رضي الله عنه برجل قد سرق فقال: ما حملك على السرقة؟ قال: حملني عليها قضاء الله وقدره قال: وأنا أقطع يدك بقضاء الله وقدره. فأمر به فقطعت يده[17].
فالاحتجاج بالقدر لا يقبله أي إنسان فيما يقع عليه أو على أهله وماله، فلو تعدى رجل على آخر فضربه أو أخذ ماله وانتهك محارمه فعند سؤاله عن أفعاله قال: حملني عليها قضاء الله وقدره، فإنه لا يقبل منه ذلك. فما بالك بالاحتجاج به على الله في ترك طاعاته وارتكاب محرماته! وما أذنب القضاء والقدر ولكنهم المذنبون. ولما سأل الصحابة النبي ﷺ عن القدر وهل يجوز لهم من أجله ترك العمل؟ قال لهم رسول الله: «اعْمَلُوا، فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ»[18]. ولهذا قال الصحابة: كنا بعد علمنا بالقضاء والقدر أشد اهتمامًا منا بالعمل وقالوا: يا رسول الله: أرأيت أدوية نتداوى بها ورقى نسترقيها وتقاة نتقيها هل ترد من قدر الله شيئًا؟ فقال: «هي من قدر الله، إن كان أحدكم نافعًا أخاه فليفعل»[19] ؛ لأن الله سبحانه خلق الأسباب والمسببات وجعل هذا سببًا؛ لهذا قال: «تَدَاوَوْا وَلَا تَدَاوَوْا بِحَرَامٍ»[20] وقال: «إن الله لم ينزل داء إلا وله دواء، علمه من علمه، وجهله من جهله إلا الموت»[21] وقد قيل:
ما أنت بالسبب الضعيف وإنما
نجح الأمور بقوة الأسباب
* * *
[17] أخرجه الرامهرمزي في المحدث الفاصل من حديث عمر. [18] متفق عليه من حديث علي بن أبي طالب. [19] أخرجه أحمد وابن ماجه من حديث أبي خزامة. [20] أخرجه أبو داود من حديث أبي الدرداء. [21] أخرجه أحمد وابن حبان من حديث عبد الله بن مسعود.