متقدم

فهرس الكتاب

 

[اختلاف العلماء في حديث احتجاج آدم وموسى]

وهذا الحديث من مشكل الآثار، وقد ألحق به ابن حجر في فتح الباري عدة إشكالات كثيرة. أهمها: أنه مخالف لنص القرآن في قصة آدم في قوله: ﴿وَعَصَىٰٓ ءَادَمُ رَبَّهُۥ [طه: 121] وفي قوله: ﴿رَبَّنَا ظَلَمۡنَآ أَنفُسَنَا [الأعراف: 23] فلم يحتج آدم على ربه بكتابة المقادير بل اعترف بذنبه ولجأ بالتوبة إلى ربه. ومنها أنه يقوي مذهب الجبر المخالف للكتاب والسنة وإجماع الصحابة وسلف الأمة. ثم هذا اللقاء هل هو بالأرواح في الدنيا أم هو يوم القيامة حين يبعث الناس من قبورهم وتسقط عنهم التكاليف الشرعية إلى غير ذلك مما ذكر. ج 11 ص 456.

وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة في رسالة الاحتجاج بالقدر:

قد ظن كثير من الناس أن آدم احتج بالقدر السابق على نفي الملام على الذنب، ثم صاروا لأجل هذا الظن ثلاثة أحزاب: فريق كذبوا بهذا الحديث لأنه من المعلوم بالاضطرار أن هذا خلاف ما جاءت به الرسل، ولا ريب أنه يمتنع أن يكون هذا مراد الحديث، ويجب تنزيه الرسولﷺ بل وجميع الأنبياء أن يجعلوا القدر حجة لمن عصى الله ورسوله.

وفريق تأولوه بتأويلات معلومة الفساد. كقولهم: إنما حجه لأنه كان أباه والابن لا يلوم أباه. وقول بعضهم: إن الملام كان بعد التوبة وهو لا معنى له. وقول بعضهم: إن هذا تختلف فيه دار الدنيا والآخرة.

وفريق ثالث جعلوه عمدة في سقوط الملام عن المخالفين لأمر الله ورسوله، فالواحد من هؤلاء إذا أذنب أخذ يحتج بالقدر، ولو أذنب غيره أو ظلمه لم يعذره، وهؤلاء هم الظالمون المعتدون. قال: وآدم أعلم من أن يحتج بالقدر، وقد علم أن إبليس هو الذي أوقعه في الذنب حيث زين له الأكل من الشجرة التي نُهي عنها ﴿... وَنَادَىٰهُمَا رَبُّهُمَآ أَلَمۡ أَنۡهَكُمَا عَن تِلۡكُمَا ٱلشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَآ إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ لَكُمَا عَدُوّٞ مُّبِينٞ٢٢ قَالَا رَبَّنَا ظَلَمۡنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمۡ تَغۡفِرۡ لَنَا وَتَرۡحَمۡنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ٢٣ [الأعراف: 22-23] فتاب آدم من الذنب واستغفر، فلو كان الاحتجاج بالقدر نافعًا له عند ربه لاحتج به ولم يتب إلى ربه ويستغفر من ذنبه... انتهى.

وقال الخطابي رحمه الله: قد يحسب كثير من الناس أن معنى القضاء والقدر هو الإجبار والقهر للعبد على فعل ما قدره الله وقضاه، ويتوهمون أن قول النبيﷺ: «حج آدم موسى» من هذا القبيل، وليس الأمر كذلك، وإنما معناه الإخبار عن تقديم علم الله بما يكون من أفعال الناس واكتسابهم وملابستهم للخطايا عن قصد وتعمد، وتقديم إرادة واختيار منهم لفعلها، والحجة إنما تلزمهم بها واللائمة إنما تلحقهم عليها من أجل فعلهم لها بالاختيار.

وإنما موضع الحجة لآدم على موسى أن الله سبحانه قد علم من آدم أنه يتناول أكل الشجرة بداعي شهوته ورغبته واختياره وتزيين الشيطان له، فكيف يمكن أن يرد علم الله فيه... انتهى.