متقدم

فهرس الكتاب

 

[كتابة الله للأشياء إشارة إلى سبق علم الله بسائر المعلومات من لدن خلق الله الخلق إلى يوم القيامة]

ثبت في الكتاب والسنة كتابة المقادير كقوله تعالى: ﴿قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلَّا مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا [التوبة: 51]. وقوله: ﴿مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مِّن قَبۡلِ أَن نَّبۡرَأَهَآۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ ٢٢ [الحديد: 22].

وقوله تعالى: ﴿وَعِندَهُۥ مَفَاتِحُ ٱلۡغَيۡبِ لَا يَعۡلَمُهَآ إِلَّا هُوَۚ وَيَعۡلَمُ مَا فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِۚ وَمَا تَسۡقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعۡلَمُهَا وَلَا حَبَّةٖ فِي ظُلُمَٰتِ ٱلۡأَرۡضِ وَلَا رَطۡبٖ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مُّبِينٖ ٥٩ [الأنعام: 59]. وفي الصحيح أن النبي ﷺ قال: «إن الله كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسمائة عام». وجاء في حديث آخر: «أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، فجرى تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة. »[3].

وإننا عندما نقرأ أو نسمع ما ثبت عن الله ورسوله في كتابة المقادير يجب أن نفهم بأن هذه الكتابة هي من عالم الغيب، فلا ينبغي أن نقيسها على الكتابة التي نكتبها بأيدينا، ولا على القلم الذي نكتب به، بل هي عبارة عن سبق علم الله بالأشياء قبل وقوعها، فإنه سبحانه يعلم ما كان وما سيكون كيف يكون. فهي بمثابة المكتوب المضبوط في علم الله تعالى، عبر عنها سبحانه بالكتابة، كما يقول الرجل لصاحبه: حاجتك مكتوبة في صدري. إذا أراد الاعتناء بها، على أن من طبيعة الإنسان النسيان، وبه سمي إنسانًا، قيل: من أجل نسيانه. واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: ﴿وَلَقَدۡ عَهِدۡنَآ إِلَىٰٓ ءَادَمَ مِن قَبۡلُ فَنَسِيَ وَلَمۡ نَجِدۡ لَهُۥ عَزۡمٗا ١١٥ [طه: 115] وأنشدوا: وما سمي الإنسان إلا لنسيه
وما القلب إلا أنه يتقلب
وقيل: من أجل أنه يأنس بغيره لأنه اجتماعي بالطبع، والله سبحانه لا تأخذه سنة ولا نوم، ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّٗا ٦٤ [مريم: 64]، ﴿لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةٗ وَلَا كَبِيرَةً إِلَّآ أَحۡصَىٰهَاۚ [الكهف: 49]، وكتابته للأشياء إشارة إلى علمه بسائر المعلومات لا تخفى عليه خافية من أمر خلقه، فهي كالمكتوب المضبوط في علمه، إذ ليس عندنا وصف الكتابة ولا القلم المكتوب به ولا المكتوب فيه.

[3] أخرجه أبو داود والإمام أحمد من حديث عبادة بن الصامت.