متقدم

فهرس الكتاب

 

[اعتقاد القدر على الوجه الصحيح تنجم عنه الأفعال الصحيحة والصفات الحميدة]

إن اعتقاد القضاء والقدر الصحيح تنجم عنه الأفعال الصحيحة وتَتْبعه الصفات الحميدة من بسط اليد في النفقة والصدقة والجرأة والإقدام وخلق الشجاعة، ويبعث على اقتحام المهالك في سبيل الحق وحماية الدين والوطن، ويلهج أهله بقولهم: ﴿قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلَّا مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا هُوَ مَوۡلَىٰنَاۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٥١ [التوبة: 51] إن هذا الاعتقاد يطبع في النفوس الثبات على المكارم وتحمُّل المكاره ومقارعة الأهوال الشديدة بجأش ثابت، ويحلي الأنفس بحلية الجود والسخاء، لاعتقاده أن ما أنفقه فإن الله سيخلفه، كما يحملها على التضحية بالروح في سبيل الحق والتخلي عن الدنيا وزينتها.

فالمسلم الذي يعتقد هذا الاعتقاد وأن نواصي الخلق بيد رب العباد يتصرف فيها كيف يشاء، وأن لله ما أخذ ولله ما أعطى، وأن الدنيا دار متاع يتمتع بها صاحبها برهة من الزمن ثم يزول عنها، وأن الآخرة هي دار القرار، وأن كل امرئ مجازى بعمله إن خيرًا فخير وإن شرًّا فشر.

فهذا الاعتقاد متى رسخ في قلب المؤمن فإنه لا يرهب الموت أبدًا ولا يجزع منه إذا نزل به، لاعتقاده أن له دارًا هي أبقى وأرقى من دار الدنيا، وعيشًا ونعيمًا هو أرغد وأنعم من عيش الدنيا، فإنه لن يجزع من فراق الدنيا والحالة هذه.

ثم إن هذا الموت ليس بفناء أبدًا لكنه انتقال من دار إلى دار أخرى ليجزى فيها الذين أساؤوا بما عملوا ويجزى الذين أحسنوا بالحسنى، فلا يجزع من الموت إلا الذي لم يقدم لآخرته خيرًا، ويقول: ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا، فهذا يجتمع عليه عند فراقه للدنيا سكرة الموت وحسرة الموت وهول المطلع فيندم حيث لا ينفعه الندم، ويقول: ﴿يَٰلَيۡتَنِي قَدَّمۡتُ لِحَيَاتِي [الفجر: 24].