شبهة النصارى على المسلمين في عقيدة القضاء والقدر
عقيدة القضاء والقدر قد كثر من النصارى الخلط والخبط في الطعن على الإسلام والمسلمين فيها، لظنهم فيها الظنون الكاذبة حيث أخرجوها عن حدود ما أنزل الله، وعن حقيقة ما يؤمن به المؤمنون.
وقالوا: إن المسلمين في فقر وفي تأخر في القوى الحربية والسياسية عن سائر الأمم من أجل اعتقادهم بالقضاء والقدر.
لظنهم أن المسلمين كانوا على عقيدة الجبر القائلين: إن الإنسان لا يعدو أن يكون مجبورًا محضًا في جميع أفعاله.
وتوهموا أن المسلمين يرون أنفسهم كالريشة المعلقة في الهواء تقلبها الرياح كيف تميل، وأنه لا حول لهم ولا قوة ولا اختيار، وإنما ذلك بقوة جابرة وقدرة قاسرة. فلا ريب أن تتعطل قواهم ويفقدون ثمرة ما وهبهم الله من المدارك والقوى، ويزول عن خواطرهم داعية السعي والكسب والحرفة، ثم يتحولون من عالم الوجود إلى عالم العدم، ويُسلبون العزة والقوة ويحكم فيهم الضعف والضعة، ورموا المسلمين من أجلها بصفات المذلة وسيما الهوان.
ذلك ظن الذين كفروا في المسلمين، وتبعهم على ظنهم هذا ضعفاء العقول من العرب الذين أولعوا بتقليد النصارى وتصديقهم فيما يقولون، فهم يلفظون لفظهم كلما لفظوا ويتبعون ظلهم أينما انبعثوا.
وأقول: إنهم افتروا الكذب على الله وعلى عباد الله فيما يقولون، فإنه لا يوجد مسلم صحيح الإسلام في هذا الزمان يعتقد مذهب الجبر المحض، ويعتقد سلب القدرة والاختيار عن نفسه أو عن غيره، ولو وجد فإنهم يلحقونه بالمجانين.
وكل الطوائف من المسلمين من زمن الصحابة إلى زماننا هذا يعتقدون للإنسان قدرة واختيارًا، وأن قدرته تؤثر في مقدورها حسب تأثير القوى والطبائع بما يسمى الكسب والاختيار، وهو مناط التكليف الذي عليه مدار الثواب والعقاب والفوز بالجنة والنجاة من النار. يقول الله: ﴿وَقُلِ ٱعۡمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمۡ وَرَسُولُهُۥ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ ١٠٥﴾ [التوبة: 105].
فهم يعتقدون أنهم محاسبون على ما وهبهم الله من القوى والاختيار، ومطالبون بامتثال جميع الأوامر والنواهي الربانية، إن أحسنوا فلأنفسهم وإن أساؤوا فعليها.
فهم يلومون ويذمون كل من يحتج بالقدر في ترك الأمر وارتكاب النهي، وأنه لا حجة له في ذلك بل حجته داحضة عند ربه.
وقد أمر رسول الله ﷺ أمته بأن يأخذوا بالكيس والحزم وفعل أولي العزم في جميع أعمالهم من أمور دينهم ودنياهم، وأن يأخذوا حذرهم ويستعدوا بالقوة لعدوهم وبما استطاعوا من الكيد والقوة، ونهى عن الكسل والعجز، وأخبر أن الله يلوم عليه، كما أرشدهم ودلهم على الدواء عند الحاجة إليه، وقال: «إن الله لم ينزل داء إلا وأنزل له دواء»، وقال: «لا تداووا بحرام».
ونهى أشد النهي عن أن يتكلوا على القضاء والقدر في شيء من أعمالهم، بل قال: «اعْمَلُوا، فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ»، وهذا هو مناط التكليف الشرعي، وبه تتم الحكمة والعدل والمصلحة، وعليه مدار عقيدة المسلمين. وقد قيل: العاقل خصم نفسه والجاهل خصم أقدار ربه.
أما عقيدة الجبر كالذين يحيلون جميع تصرفاتهم في ترك واجباتهم أو ارتكاب محرماتهم إلى القضاء والقدر فهذا الاعتقاد قد انقرض أهله من سنين طويلة.
غير أنه في هذا الزمان نشأت طائفة من شباب العرب الماردين والمارقين عن الدين يحتجون بالقدر في ترك الواجبات وارتكاب المنكرات وشرب المسكرات، ومتى عذلته[40] أو نهيته عن سوء عمله قال: هذا أمر كتبه الله علي. فيجعلون عجزهم توكلاً، وكفرهم وفجورهم قضاء وقدرًا.
وسُمع من بعض الملاحدة أنه يقول: الذنب ذنب الذي خلق إبليس ليس ذنبي!!! وهؤلاء يعدهم المسلمون ملاحدة ليسوا من المسلمين.
[40] عذلته: أي لُـمْتَهُ.