متقدم

فهرس الكتاب

 

بطلان الاحتجاج بالقدر: المحتجون بالقدر حجتهم داحضة عند ربهم

إن طريقة أهل السنة في القضاء والقدر هي الإيمان به، وأن الله على كل شيء قدير، وفعال لما يريد، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فهم يؤمنون بالقضاء والقدر، ولا يحتجون به، فالمحتج به حجته داحضة عند ربه.

والقضاء والقدر الذي أوجب الله الإيمان به ليس معناه أن الله يلزم الناس بما قدره وقضاه عليهم، فقد جعل الله لهذه المقادير أسبابًا تدفعها وترفعها؛ من الدعاء والصدقة والأدوية وأخذ الحذر واستعمال الحزم وفعل أولي العزم وسائر ما يلزم إذ الكل من قضاء الله وقدره حتى العجز والكيس. وفي دعاء القنوت «اللَّهُمَّ اهْدِنَا فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنَا فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنَا فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لَنَا فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنَا وَاصْرِفْ عَنَّا شَرَّ مَا قَضَيْتَ»[12] فلولا أن الدعاء يدفع شر القدر والقضاء لما شرعه النبي ﷺ لأمته. ويدل له ما روى الترمذي عن سلمان أن النبي ﷺ قال: «لَا يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلَّا الدُّعَاءُ، وَلَا يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ إِلَّا الْبِرُّ، وَأَنَّ الصَّدَقَةَ لَتَدْفَعُ مِيتَةَ السُّوءِ» فأخبر النبيﷺ أن القدر والقضاء يندفع بهذه الأسباب التي شرعها الله لدفعه ورفعه، فلا يكون لزامًا على الناس من ذلك كتابة الملك على الجنين وهو في بطن أمه حين يكتب أجله وعمله وشقي أو سعيد، فإن هذه الكتابة يعتريها التبديل بإذن الله، فإن الله يمحو ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب. وسمع من دعاء عمر بن الخطاب: اللهم إن كنت كتبتني في أم الكتاب شقيًّا فامحني وأثبتني سعيدًا، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب[13].

إن من الناس من يكسل ويعرض عن الدعاء اتكالاً منه على القدر والقضاء، ويقول: إن كان هذا الأمر كُتب لي فسيأتيني دعوت أو لم أدع. وهذا غلط وخطأ، فإن الدعاء عبادة، بل هو مخ العبادة، ولم يشرع الله الدعاء إلا ليثيب الداعي على دعائه ويستجيب له، والدعاء حبيب الله. فليس شيء أكرم على الله من الدعاء وهو سلاح المؤمن. ومن ذلك بعض الأشياء المحبوبة المطلوبة يقدر الله حصولها والفوز بها عن طريق الدعاء، ولا تحصل بدونه، فإذا دعا ربه حصلت له وإن لم يدع لم تحصل، وكل هذه بقضاء الله وقدره.

[12] رواه أهل السنن والإمام أحمد عن الحسن بن علي. [13] رواه الفاكهي وابن بطة عن أبي عثمان النهدي.