حقيقة القدر
إن الكلام في القضاء والقدر قد صار مثارًا للجدل بين المتقدمين والمتأخرين حتى افترقوا فيه على مذاهب شتى ﴿كُلُّ حِزۡبِۢ بِمَا لَدَيۡهِمۡ فَرِحُونَ ٣٢﴾ [الروم: 32]، ﴿فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَا ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلۡحَقِّ بِإِذۡنِهِۦۗ وَٱللَّهُ يَهۡدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٍ ٢١٣﴾ [البقرة: 213].
ونحن وإن قلنا: إن القدر يرجع إلى تقدير الله للأشياء بنظام وإتقان وإنه يرجع إلى قدرة الله وإنه على كل شيء قدير وفعال لما يريد. أو إنه يرجع إلى سبق علم الله بالأشياء قبل وقوعها، وإنه يعلم ما كان وما سيكون كيف يكون... فكل هذه من الصفات الداخلة في قدر الله تعالى.
والقدر هو من عالم الغيب الذي ينبغي للإنسان أن لا يشغل ذهنه بالتفكير في كنهه.
وكان الصحابة لا يخوضون في موضوع القضاء والقدر لكونه من عالم الغيب ومن الأمور الخفية عن العيان، كما قال الشاعر زهير:
لو كنت أعجب من شيء لأعجبني
سعيُ الفتى وهو مخبوء له القدر
وحسب الشخص أن يؤمن بكل ما أخبر الله به من صنع خلقه وسبق علمه بكل شيء، وأنه على كل شيء قدير وفعال لما يريد. ولما سُئل الإمام أحمد عن القدر أجاب قائلاً: القدر قدرة الرحمن. وقد أخذها العلامة ابن القيم فقال:
فحقيقة القدر الذي حار الورى
في شأنه هو قدرة الرحمنِ
واستحسن ابن عقيل ذا من أحمد
لما حكاه عن الرضى الرباني
قال الإمام شفى القلوب بلفظة
ذات اختصار وهي ذات بيانِ
* * *